حال الفن في أي وطن من حال سياسته!

استطاع الكاتب الكبير محمود عوض من خلال تاريخه الطويل في الصحافة السياسية أن تكون له وجهة نظر ثاقبة دائما في الأحداث التي تمر بمصر، فهو كاتب جريء لا يختلف أحد على قدرته على تحليل أعقد القضايا ومحاولة حلها بقلمه وفكره، وهذا ما حاولنا أن نتكلم فيه معه عن العديد من القضايا التي تشغل بال المواطن المصري والرأي العام الذي يرى أن قوته تتزايد، وقريبا سيكون لها تأثيرها على القرار السياسي.

كيف ترى مستقبل مصر في ضوء الأحداث الكثيرة التي نعيشها الآن؟
من الصعب جدا على أي مثقف أن يتنبأ بالأحداث في مصر الآن خاصة الأوضاع السياسية، وذلك لعدة أسباب أهمها أن معظم القرارات السياسية والاقتصادية في مصر والتي تعتبر السبب الرئيسي لكل ما نعانيه من مشاكل سواء كانت إرهابا أو بوادر فتنة أو غياب وعي قد تتخذ بناء على عوامل مزاجية أو شخصية لأصحاب القرارات، أي أن الفصل بين الذاتي والموضوعي أصبح محدودا جدا، وهذا هو ما يجعل هناك صعوبة في التنبؤ بالأحداث.

ولكن دراسة الواقع قد تساعد على التنبؤ ؟
ربما يكون ذلك صحيحا، ولكن ستكون احتمالات الخطأ فيه كبيرة، ولكن بنظرتنا لما يحدث الآن نستطيع أن نستخلص عدة أشياء أهمها أن هناك نموا متزايدا في النزعة الطائفية، وأن التيار الديني استطاع أن يصل إلى أكثر القواعد الشعبية كثافة، وأصبحت له جذور راسخة في المجتمع، هذا بالإضافة إلى أن الرأي العام أصبح مؤثرا في قرار الحاكم.

إذا كان الرأي العام بهذه القوة فلماذا لم يصبح الحال العام أفضل مما هو عليه الآن؟
أنا قلت إن قوة الرأي العام أصبحت مؤثرة بالفعل ويؤخذ بها، ولكنها في الموقت نفسه مازالت تتحسس طريقها حتى تصبح صاحبة تأثير قوي، ولكن المعادلة لم ولن تنقلب الآن، وهذا للصالح العام وليس ضده لأنه مهما كانت قوة الرأي العام فيجب أن تكون القوة الحاكمة هي صاحبة القرار الأخير، ولكن بالمشورة والأخذ في الاعتبار الرأي العام وأهميته.

فكرة الخلط بين السلطة والمال لا تحدث إلا في مصر فقط تقريبا. فما رأيك بها ؟
كارثة بكل المقاييس لأن السلطة وحدها قوة، ورأس المال وحده قوة أخرى، فماذا لو اجتمعوا معا؟ طبعا ستكون النتيجة ما شاهدناه في مسرحية هشام طلعت مصطفى، لأنه لا توجد بلد في العالم تختار رجل مال لتصنعه في منصب سلطة، وحتى لو استدعى الأمر ولم يعد أمامنا إلا هو فلابد أن يفصله عن شركاته مجلس إدارة مستقل تماما، ولا تكون له أي علاقة به حتى يخرج من منصبه، لكن ما يحدث عندنا هو عكس ذلك مما يصور للبعض أنه فوق القانون وهذا طبعا غير حقيقي.

على من تلقي بمسئولية انتشار الفساد؟
الفساد مسئولية متعددة الأطراف، ولكن مما لا شك فيه أن النظام السياسي هو المسئول الأول عنه، فمثلا لو نظرنا لنظام الأجور والمرتبات في مصر خاصة المرتبط ببعض الوظائف الهامة مثل أستاذ الجامعة وضابط الشرطة والمدرس ومأمور الضرائب سنجد أنها لا تتناسب إطلاقا مع هذه الوظائف الحيوية وبالتالي فغالبا ما يلجأ أصحاب هذه الوظائف لشيئين إما أنهم يهملون في عملهم، أو يلجأون لوسائل أخرى غير شرعية للكسب، أو للدخل الإضافي وهذا شكل من أشكال الفساد، وطبعا حكاية ربط السلطة بالمال مصدر آخر للفساد، فمن هذا الذي لن يجامل وزيرا في شركاته أو أعماله، ومن مظاهر الفساد الخطيرة في حياتنا حاليا ما نسمع عنه في النتائج التي تتسبب فيها القروض الكبيرة التي يستولي عليها كل يوم عدد لا بأس به من رجال الأعمال، ويهربون إلى الخارج، والمصيبة أنه بدلا من أن يحاسبوا يبحثون لهم عن حل وبالتالي لم تعد هناك معايير ثابتة للثواب والعقاب، أليس كل هذا كافيا بأن نكون أرضا خصبة للفساد.

الشباب في مصر يعيش في معزل عن السياسة فهل السبب شعوره بعدم الانتماء أم أن هناك أسبابا أخرى؟
المشكلة أن الشباب لا يشعر بصوته ولا بأهميته، ولكن علينا أن نكون أكثر صراحة مع أنفسنا عندما نرصد حالة سلبية، فالمشكلة أن الشباب يعتقد أنه سواء ذهب للتصويت أو لم يذهب فلا فرق لشعوره بأنه على الهامش، ولكن هذا ليس صحيحا لأننا لو قررنا كلنا أن نحرك ركود الواقع السياسي وقررنا الإدلاء بصوتنا في الانتخابات بل والإدلاء بصوتنا في أي موقف لا يعجبنا فسنشكل في النهاية قوة ضاغطة وسنتحرر من سلبيتنا.

المناخ السياسي في مصر الآن يمكن أن يساعدنا على تجاوز الأزمات التي نمر بها؟
من ينظر إلى حال مصر الآن يستطيع أن يلمس أنها تمر بمرحلة انتقالية تسعى فيها للوصول إلى ديمقراطية حقيقية، وذلك لأن الديمقراطية التي وصلنا إليها حتى الآن لا يمكن أن ترضي مطالب الرأي العام، فالناس تريد انتخابات صحيحة لا يشوبها أي قدر من التدخل حتى تطمئن لها كما أننا في حاجة إلى حكومة منتخبة انتخابا حقيقيا وحراك سياسي يساعد على التغير دائما للأفضل والقضاء على الفساد، ولكن هذا أيضا لن يحدث بالضغط الدائم على القوة الحاكمة لذلك فالحل الوحيد لتجاوز الأزمات التي نمر بها هو وجود مناخ ديمقراطي حقيقي وسعة صدر الحاكم للرأي العام ومحاولة تحقيق مطالبه كلما كانت في الاتجاه السليم للصالح العام.

ما رأيك في زيارة أوباما وخطابه الأخير من مصر؟
هناك أشياء يبدو ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وأوباما في كل الأحوال رجل أمريكي يسعى لتحقيق مصالح بلاده، وهذا فقط ما يعنيه، فضلا عن أن أوباما لا يحكم أمريكا حكما مطلقا، وإنما هو محكوم بأجهزة وحكومة وسلطات تحكم كل قراراته بالشكل الذي يخرج في النهاية في صالح أمريكا.
في ظل هذه الظروف هل يمكن لمصر أن تحقق أي تقدم حتى ولو كان بطيئا؟


طبعا ولم لا فنحن نحقق تقدما بالفعل حتى ولو لم يكن ملحوظا ولكنه موجود، إلا أنه لا يتحرك بكامل طاقته أو قوته فهناك دول مثلنا تماما استطاعت أن تخرج أصلا من دائرة الدول النامية مثل ماليزيا وغيرها وهناك أيضا دول أخرى صغيرة في العالم العربي استطاعت أن تحقق معدلات تنمية أعلى معدلا مثل الأردن وتونس.

وهل نستطيع نحن كشعب أن نحقق الإصلاح من الداخل؟
هذا شيء لا شك فيه، فالمواطن المصري موهوب بطبيعته ولديه قدرة كبيرة على العمل والإنتاج؛ المهم أن نجد من يعرف كيف يستغل الطاقات الموجودة داخله، ولكن المشكلة أننا لا نؤمن بذلك، فنحن نعطي إنتاجا محدودا في مصر ولكننا بمجرد أن نذهب للخارج نعطي بشكل مختلف، ولكن حتى لا نظلم الفرد عندنا فالحقيقة أنهم في الخارج يوفرون ظروفا جيدة للعطاء أي أن المشكلة في المناخ وليست في طبيعة الفرد نفسه، وبالتالي فإذا تم إصلاح المناخ والظروف من الداخل ستتغير طبيعة المجتمع كله
إيه رأيك نبتعد عن الكلام في السياسة ونذهب للفن فأنت رغم أن معظم كتاباتك كانت في السياسة إلا أنك كانت تربطك علاقة وثيقة بكبار رموز الفن في مصر فكيف جاء ذلك؟

لأني أرى أن الفن والسياسة وجهان لعملة واحدة، فكلاهما يعبر عن حال الوطن، بل والأكثر أن حال الفن في أي وطن من حال سياسته، بمعنى أنه إذا كان هناك رقي سياسي واقتصادي فطبيعي أننا سنرى فنا راقيا، والعكس صحيح، يعني إذا كان هناك تدهور سياسي فسيكون حال الفن أقرب للملاهي الليلية، وأنا عندما كانت لي علاقات وطيدة برموز الفن كانت فعلا كل كتاباتي في السياسة، ولكنها كانت ترجمة لما يحدث في مصر على أي مستوى بما فيهم الفن.

ولكن علاقتك بعبد الحليم كانت علاقة خاصة جدا؟
لأن عبد الحليم حافظ نفسه كان حالة خاصة جدا، ولكن الحقيقة أن علاقتي بعالم الفن في مصر بدأت من عند أم كلثوم وليس عبد الحليم، فأنا كنت أعمل في أخبار اليوم وكان يرأس تحريرها وقتها الأستاذ إحسان عبد القدوس، وقد أراد عمل كتاب عن أم كلثوم، وعندما عرض عليها الفكرة كانت متخوفة منها جدا، وعندما وافقت اشترطت أن أكتبه أنا، وعندما أبلغني أستاذ إحسان برغبتها هذه شعرت برعب من حجم المسئولية التي ألقتها عليّ، ولكن قبلت التحدي وعملت الكتاب، وقد حقق صدى كبيرا جدا، وبعده قدمت كتابا آخر عن عبد الوهاب، وبهذين الكتابين دخلت عالم الفن، ولكن ظلت علاقتي بعبد الحليم هي الأقوى.

لماذا غضبت كثيرا من إذاعة الشرق الأوسط لأنها تذيع مسلسل "أرجوك لا تفهمني بسرعة" الذي كتبته لعبد الحليم هذه الأيام؟
لأني علمت ذلك بالصدفة من الأستاذ صلاح منتصر الذي اتصل بي منذ أيام وقال لي إنه وهو يحول الراديو استمع لحوار رائع بين عبد الحليم وعادل إمام، وعندما توقف عنده اكتشف أنه في حلقة من المسلسل الذي كتبته لعبد الحليم، وما أغضبني أنه يذاع دون أي تنويه أو إعلان لإذاعته، فكيف يمكن لإذاعة كبيرة مثل الشرق الأوسط أن تذيع مسلسلا لعبد الحليم وعادل إمام ونجلاء فتحي دون أن تعلن عنه ولو مرة واحدة.

العلاقة بين الصحفي والفنان أين تبدأ وأين تنتهي؟
هذا يتوقف على طبيعة العلاقة الإنسانية بينهما، ولكن الصحافة الفنية بشكل عام هي امتداد للمجتمع الفني عكس الصحافة السياسية والاقتصادية التي تحتاج إلى مجهود كبير في دراسة القضية التي يكتب الصحف عنها.

تسلم ايدك فى انتظار المزيد

تسلم ايدك مشكور